حين يكون الراتب أخًا: شهادة وفاء لرفيق درب اسمه الحسين ولد مدو

تجمعني بالوزير الأديب، أخي وصديقي الحسين ولد مدو، علاقة أخوية عميقة، فيها من المودة والصفاء ما يعجز اللسان عن وصفه. وكثيرون لا يعلمون أن الحسين، إلى جانب كونه إعلاميًا محنّكًا ووزيرًا مثقفًا، هو أيضًا شاعر فصيح، و”امغنّي” شعبي، تنساب كلماته كما ينساب الماء فوق الرمل، رقّةً ودفئًا.
في عام 2016، واجهت شبكة الجزيرة ظرفًا ماليًا صعبًا، أدى إلى تأخر الرواتب لأكثر من ثلاثة أشهر. كانت أيامًا قاسية، عشناها نحن العاملين في المكتب بصمتٍ مثقل.
لكن من لطف الله عليّ أن جعلني أعمل مع الحسين كفريق واحد، فكان الأخ والسند. لم يكن حينها موظفًا في الجزيرة فقط، الحمد الله بل كان أيضًا أستاذًا في المدرسة الوطنية للإدارة، وبراتبها الذي كان يصله بانتظام، كان يتقاسمه معي شهريًا، ما خفف عني عناء الانتظار، ومنحني دفءَ الأخوّة في زمن الضيق.
لم يكن ذلك عطاءً ماديًا فحسب، بل كان موقفًا إنسانيًا نبيلًا، ومشهدًا من مشاهد الوفاء الذي لا يُنسى. وقد خلّد الحسين تلك اللحظة بقطعة من “ازريكه” كتبها بروح شاعر لا ينسى رفاق الدرب.
اوشارككم اياها لأوثّق فصلًا من فصول النبل الإنساني، الذي يظل الأثرَ الأصدق في دفاتر الذاكرة.
ويقول الحسين:
يسألني “بابا” عن الشهر مالهُ
فقال: مضى شهرٌ، فأين هو الأجرُ؟
فقلت: تثبّت بالحساب وعدَّهُ
وهل رُئيَ في “مصر”؟ وكان لكم عذرُ
فقال: تثبّتنا، هو الشهرُ واحدٌ
إذا غمّ في “قطر”، رآه هنا “قطرُ”!
وأكملتُهُ عدًّا ثلاثين ليلةً
وشاهدتُهُ صَحوًا، وقد لَزِمَ “الفِطرُ”
وحين مضى “كانون” جاء معاتبًا
ألم ينقضِ شهرٌ؟ وها قد مضى شهرُ!
فقلت: تمهّل يا بُنيَّ لِبُرهةٍ
ولا تيئس، أمرُ الدنا كلُّهُ يُسرُ
فوارق توقيتٍ، مشاغلُ خطّةٍ
وأيامُ أعيادٍ، ويُستلم الأجرُ
ولما انقضى “آذار” جاء مغاضبًا
لقد كمُل الشهران، في الحال ما الأمرُ؟
فقلت له: صبرًا وبِشِّر كليهما
فما غلب اليسرين في ديننا عُسرُ
وفُزتَ بأجرِ الصبر، لا أجرَ مثلهُ
وحُزتَ ثوابَ الصبر، إذ فاتكَ “الأجرُ”!
وأضحى لك “الأجران”، من سنَّ سُنةً
كما قالها خيرُ الورى، فله أجرُ…
فلما مضى الشهران، والثالثُ انمحى
ولا أثرٌ للأجر يبدو، ولا عُذرُ
أعاد حسابَ الشهرِ والأجرِ ثانيًا
وحلَّ “احتسابُ” الأجر في الشهر والصبرُ
وقال: مضى الشهران دون مرتبٍ
وأتبعهم “آذار”، و”الشهر ألا يَجرو؟!”
فقلت: لعل الله عوّض أجركم
بـ”أجركم”
الصبر! قال: “أهيه.. أثرو؟!”
من ذكريات الجزيرة
وصفحة من الوفاء لا تنسى.
من صفحة بابا أبي بوبكر