محلي

كنتُ وأنا صغير أتسكّع في شوارع السبخة والميناء رفقة “الشِّلّة” التي فرّقتنا الأيام وجمعتنا الأقدار فمنّا اليوم الأستاذ والمعلّم والمدير والضابط لكننا آنذاك كنّا شيئًا واحدًا أطفالًا لا يملكون من الدنيا سوى الحلم
مرّة نلعب كرة القدم في الأزقة الضيقة حيث تختلط الغبار بالضحكات ومرّة نخترع ألعابًا لا اسم لها في شوارع غير مبلّطة بجوار اكواخ من الزمك واحيانا اخرى من القصدير كانت تعرف أقدامنا أكثر مما تعرف الإسفلت كانت الشمس شاهدة علينا بحيث لانميز بيم الزوال والمساء الأوقات كلها لعب ومرح والبيوت ولم نكن نعرف أن تلك التفاصيل الصغيرة هي كنوز العمر
وفي نهاية الأسبوع يكون لنا موعد مقدّس مع السينما ” سينما الفتح او السلام او الوزيز … كن نشاهد الأفلام الهندية التي ننتظرها بشغف يشبه الانتظار للعيد كنا نعيش القصة حتى آخرها لا نغادر مقاعدنا حتى يسقط الشرير صريعًا أو تنجو البطلة من بين أنياب الأسود أو تُربّى وسط الأفاعي ثم تعود أقوى من الخوف نفسه لم نكن ندرك أن كل ذلك من وحي الخيال لأن الخيال يومها كان واقعنا الوحيد الجميل
ومن بين تلك الصور المتراكمة في الذاكرة ظلّ “تاج محل” يسكن مخيّلتي كاسمٍ يتردّد أكثر مما يُرى كحلمٍ بعيد يختلط بالأساطير كبرنا وتفرّقت الطرق لكن
حين وقفتُ أخيرًا أمامه شعرت أنني ألتقي طفل السبخة والميناء من جديد كان المبنى كما تخيّلته وأكثر صرحًا عظيمًا يشبه أعمدة ميتابوليس اليونانية و المتجسّد في حجر ينطق بعظمة من بناه وبجلال حقبة غابرة من التاريخ الإسلامي المجيد هنا أدركت أن بعض أحلام الطفولة لا تخوننا بل تنتظرنا بصبر حتى نكبر بما يكفي لنراها

بقلم/ أشريف العربي
الصورة من أمام احد عجائب الدنيا تاج محل في مدينة آكرا الهندية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى